👳 لقد تركَنا بعد أن أثرانا بعلمه وأروانا بخُلُقه

 

كان يَحترِمني جدًّا لكبر سنّي، وكُنتُ أحترمه لِعِلمه وخُلُقه وجمعه بين العلم والعمل. وكان يصغرني بثمان سنوات تقريبا، ومع ذلك فكثرة مؤلفاته مع قِصَر مدى حياته تَشهد بصدق بغزارة علمه وشدة حرصه على نشر علوم الله ونفع عباده بها. فقد تُوُفي عن عُمر ناهَز الخمسَ والخمسين، وخَلّف من ورائه ما لا يقل عن أربعين كتابا بين صغير وكبير في مختلف فنون العلم وبلغات عديدة، من عربية وأندونيسية ومدورية.

 

وكان لشدة تواضُعه كثيرا ما يسلَّمني مُسوَدَّاتِ كُتبه قبل طبعها طالبا مني أن أنظر فيها وأدقق عسى أن يكون فيها ما يستحق التعليق أو التصحيح. فقلت له: «كيف يصح لي أن أنظر في كتاب أنت مؤلِّفه ولك باع في التأليف، وأنا لم يصدر مِنّي كتابٌ واحدٌ؟» ولكنه ألحَّ علي وترك المسودة عندي لعدة أيام. فلم أجد بُدًّا من إجابته إلى ما طلب لا لأني أهل لذلك، بل لتقديري له على حسن ظنه بي. وبدأتُ أدقق النظر فيها وسطرت في ثناياها ملاحظاتي على بعض ما فيها سواء كان تصحيحا لإعراب أو إملاء، أو مناقشةً لرأي أُخالِف المؤلفَ فيه، أو نقدا لفكر أرى أنه يجب تصحيح مساره أو ما إلى ذلك. وبعد أيام التقينا فتناقشنا وانتهى الأمر، ثم ما لبث أن صدر الكتاب وأعطاني نسخة منه وهكذا.

 

وأكثر ما يعجبني من شخصيته ولم أستطع أن أحذو حذوه أنه كان شديد الحرص على طلب المزيد من العلم. فقد بدأ رحلة تعلمه على يد والديه، ثم تنقل من كُتّاب إلى كتاب، ومن بسانترين إلى بسانترين، إلى أن ساقته يدُ القَدر في نهاية المطاف إلى بسانترين سارانج (Sarang) الشهير والذي كان يشرف عليه الشيخ الفاضل والورِع الكامل ميمون زبير رحمه الله رحمة واسعة وتتلمذ عليه لسنوات عدة. ويبدو أنه كان يتأثر بهذا الشيخ كثيرا وربطته به علاقة وطيدة حافلة بالحب والعطف والتوقير والتعظيم شأنهما في ذلك شأن الأب الحنون وابنه المخلص، واستمر ذلك حتى تُوُفِيا وانتقلا إلى رحمة ريه الغفور الرحيم وهو عنهما راض.

 

وبتخرُّجه في هذا المعهد الميمون بدأت رحلته في طلب العلم من جديد في محيط آخر، ألا وهو المحيط الأكاديمي، فسجَّل اسمَه طالبا في كلية الحقوق التابعة لإحدى الجامعات في بروبولينقا ابتداء من البكالوريوس، ثم الماجستير إلى أن حصل أخيرا على شهادة الدكتوراه بدرجة امتياز. وبهذا اجتمع في شخصيته العلمية الثقافة الدينية والثقافة الأكاديمية في آن واحد، ما شاء الله.

 

هذا جانب. وهناك جانب آخر أكثر عَجَبا، وهو حرصه الشديد على التأليف لا حُبًّا في الشهرة والظهور، بل رغبةً في الإفادة في أوسع نطاق ممكن. حَكَى لي يوما أن زوجته الكريمة سألته: «لقد ألفتَ كثيرا من الكتب نثرا ونظما، وشرحا وتلخيصا. فماذا تتوقع أن يكون مصير تلك المؤلفات بعد أن صدرت؟» فأجاب: «إنه لا يهمني منها إلا التأليف وكتابة كل ما أعلم. أما ماذا بعدُ فعلى الله”.

 

قلت: وهذا دأب السلف الصالح من علمائنا الأجلة الأفذاذ، وقليلٌ مَن حذا حذوهم في مثل هذا الزمان، ومن هذا القليل أخونا الجليل الذي أتشرف بالخديث عنه إن شاء الله، والله أعلم.

هذا، ولا أُزكِّي على الله أحدًا، وإنما أقول عنه على حسب ما رأيته على صفحة الظواهر، والله أعلم بالسرائر. فرحم الله فقيد الإسلام والمسلمين رحمة واسعة، وجعل مِن بعده خير خلف يخلفه ويسد ما تركه من الثلمة في الدين، آمين

 

الكاتب : زين المعين حسن

By Alfin Haidar Ali

Mahasantri Semester Akhir Ma'had Aly Nurul Jadid

Tinggalkan Balasan

Alamat email Anda tidak akan dipublikasikan. Ruas yang wajib ditandai *

Chat
1
Assalamualaikum, ada yang bisa kami bantu ?